Research  Science Pirates

#1
Photo  Mohsen Ezz El-Din Al-Bakri Offline
الاختطاف الديني: عندما يتم استغلال العلم لخدمة خرافة
لم يلتقِ آدم ذو الكروموسوم Y وحواء الميتوكوندريا قط - هذا ما يقوله العلم. لكن، كالعادة، يخرج دعاة الدين ليخبروك أن العلماء اكتشفوا ذلك، ويقدمون أكاذيب لنقل خرافات رعاة الماعز في العصر البرونزي، ومنها هذه الخرافة: "أثبت العلم وجود أب واحد وأم واحدة للبشر، آدم وحواء". هذا الادعاء ليس إلا محاولةً لاستغلال مفاهيم علمية دقيقة، مثل آدم ذو الكروموسوم Y وحواء الميتوكوندريا، ثم تقديمها وكأنها نسخة مخبرية من قصة الطين والضلع. لكن الحقيقة العلمية تُناقض هذه الصورة تمامًا: لم تكن هناك تفاحة، ولا شيطان، ولا "خطيئة أصلية"، ولا هبوط من الجنة، ولا أي من عناصر الأساطير الدينية. يقدم العلم قصة مختلفة تمامًا - أعمق وأكثر واقعية - ويفنّد الرواية الأسطورية من البداية.
كيف نجا نسل مكون من فردين فقط؟
نعم، كان آدم ذو الكروموسوم Y وحواء الميتوكوندريا شخصين حقيقيين عاشا في الماضي، لكنهما لم يكونا أول البشر، ولا الوحيدين في عصرهما. لقد عاشا بين آلاف البشر الآخرين.
ما الذي جعل سلالاتهم تنجو بينما انقرضت سلالات أخرى؟ الجواب ليس الانتقاء الإلهي، بل قاعدة إحصائية صارمة تسمى الانحراف الوراثي.
آدم ذو الكروموسوم Y: يُورَث الكروموسوم Y من الأب إلى الابن فقط. عبر الأجيال، تنقرض السلالات الذكورية عندما يُنجب الرجل بناتًا فقط، أو يموت دون ذرية، أو ينقطع نسله لسبب ما. الرجل الوحيد الذي استمر نسله في إنتاج الذكور دون انقطاع لآلاف السنين هو آدم ذو الكروموسوم Y، ليس لأنه كان الأب الأول، بل لأنه كان الناجي الأخير في لعبة جينية قاسية.
حواء الميتوكوندريا: كما أوضحنا سابقًا بشأن انقراض السلالة Y - عندما ينجب الذكور بنات فقط أو لا ينجبون أي بنات على الإطلاق - فإن النساء، في جميع الحالات، ينقلن الميتوكوندريا إلى جميع أبنائهن، ذكورًا وإناثًا. ولكن أين تنتهي هذه السلالة إذا افترضنا أن امرأة أنجبت ذكورًا، وأن هؤلاء الأبناء أنجبوا ذكورًا فقط دون إنجاب بنات؟ في هذه الحالة، تنتهي سلالة الميتوكوندريا لاحقًا في السلالة الأنثوية. أو إذا لم تنجب المرأة أي أطفال على الإطلاق، ففي هذه الحالة أيضًا تنتهي سلالة الميتوكوندريا.
وبهذه الطريقة، نفهم لماذا يستمر نسل حواء الميتوكوندريا وحده حتى يومنا هذا.
لم يكن هذان الفردان بداية السلالة... بل هما السلالتان الوحيدتان اللتان لم تنقرضا. وإذا عدنا إلى الوراء أكثر، سنجد سلالات تفرعت إلى أنواع أخرى غير الإنسان العاقل الحديث. وتؤكد آلاف الأحافير هذه الحقيقة. لماذا بقي الإنسان العاقل وحده؟ شرحنا ذلك في مقال سابق، مشيرين إلى ما يُسمى بالاستبعاد التنافسي: لا يمكن لنوعين متشابهين في نمط حياتهما، يتنافسان على الموارد نفسها، أن يعيشا معًا في المنطقة الجغرافية نفسها. ومن الأمثلة على ذلك: النمر العربي والآسيوي، والدب القطبي والدببة في مناطق مختلفة من العالم، والضباع المخططة والمرقطة... يعيش كل نوع في بيئة محددة ولا ينتشر جغرافيًا مثل البشر. لذلك، بقي الإنسان العاقل بينما انقرض منافسوه.
الاجتماع الذي لم يحدث أبداً
في الرواية الدينية، يُصوَّر أن "آدم" و"حواء" عاشا معًا وتزوجا، وأن البشرية بدأت من زوجين فقط. لكن العلم يُقدِّم حقيقة صادمة:
لم يلتقِ آدم ذو الكروموسوم Y وحواء الميتوكوندريا قط؛ فقد عاش كل منهما في حقبة زمنية مختلفة تفصل بينهما آلاف السنين. وقد توصل علماء الجينوم إلى هذه النتيجة من خلال مقارنة الكروموسوم Y لدى الرجال والحمض النووي للميتوكوندريا لدى النساء في البشر اليوم، وحساب معدل تراكم الطفرات عبر الأجيال باستخدام ما يُعرف بالساعة الجزيئية. وأظهرت النتائج أن آدم ذو الكروموسوم Y عاش قبل ما يقارب 200,000 إلى 300,000 سنة، بينما عاشت حواء الميتوكوندريا قبل ما يقارب 150,000 إلى 200,000 سنة، مما يؤكد أن الفجوة الزمنية بينهما كانت آلاف السنين، وأنهما لم يلتقيا قط.
إنهما سلالتان وراثيتان لا تتوافقان زمنيًا، وهذا وحده يكفي لدحض قصة الزوجين الأولين.
النتيجة المنطقية بين العلم والخرافة: زنا المحارم
إذا تجاهلنا العلم وصدقنا الرواية القائلة بأن البشرية بدأت من زوجين فقط، فإن النتيجة الحتمية هي:
زواج الأشقاء من بعضهم البعض.
بيولوجيًا، يعني هذا انهيارًا جينيًا كارثيًا لا يستطيع البشر النجاة منه: تشوهات، أمراض، ضعف في المناعة، وانقراض حتمي. ووفقًا لدراسات أجريت على الحيوانات المهددة بالانقراض أو المنقرضة، فإن بقاء أعداد قليلة جدًا منها لا يسمح بتنوع جيني كافٍ، وبالتالي يصبح الانقراض أمرًا لا مفر منه.
لكن العلم يقدم سيناريو مختلفًا وأكثر منطقية: آدم ذو الكروموسوم Y تزوج من نساء من مجموعات بشرية أخرى كانت موجودة بالفعل، وبنات حواء الميتوكوندرية تزوجن من رجال آخرين.
نحن نسل شبكة بشرية واسعة، وليس سلالة مغلقة واحدة.
خاتمة
الحقيقة العلمية أجمل وأعمق: نحن نسل سلالات نجت عبر الزمن بفضل التنوع والصدفة والانتخاب الطبيعي... لسنا نسل شخصين من طين خُلقا من جنة أسطورية. أما التفاحة والموزة والثعبان وضلع آدم الذي صار حواء، وبقية الخرافات: الخطيئة الأصلية، والطين، وجدالات الشيطان والله، وغيرها من الأساطير، وقصة قابيل وهابيل وتضحياتهما...
....

بقلم
محسن عز الدين البكري 
أعطِ دائماً
Reply




Users browsing this thread: 1 Guest(s)